ثقافة "الأح" العربية
"إلسحِ الدح إمبو...ما تدّي لأبو..." من أجل هذه الكلمات (البريئة) تناولت بعض الصحف بشيء كبير من الهجوم الفنان الشعبي أحمد عدوية قبل أكثر من ثلاثين سنة عندما صدح بهذه الأغنية الشهيرة.... لقد اعتبر النقاد في تلك الأيام أن أحمد عدوية يمثل الفن الشعبي (الهابط) و ظل عدوية يعتبر أقل شأنا من عبد الحليم حافظ و هاني شاكر بكثير على الرغم من شعبية أغانيه و خفتها إلى أن أتى الزمان الذي أصبحنا نعتبر أحمد عدوية يمثل فيه فن (الزمن الجميل)
و اليوم تستقبل الفضائيات و (تتقبل) الفن على مختلف أنواعه و تقدمه في أرقى و أحلى الصور, فلا يوجد شيء اسمه فن هابط.... و"ما فيش حد أحسن من حد"
و تعج الساحة بما هو أسوأ بكثير من "سحّات و دحّات" عدوية و هذا نتيجة طبيعية للتقدم الذي يعيشه العالم العربي, فـ "السح" الذي كان يعتبر غير محترم أصبح "دح" و "أح" راقي حتى أن الفنانات أصبحن يتنافسن على لقب الفنانة "الأكثر قولا للأح و البح"...ربما يكون للحرف "ح" خصوصية و تميُّز عن غيره من الحروف....الله أعلم, فأنا لستُ خبيرة في علم الصوتيات أو ربما تحمل هذه النوعية من الفنانات جراح لا تعبر عنها كلمة "آه", بل يحتجن لما هو أعمق
و صدقوني أصبحت "الأح" ثقافة عربية واقعية لدرجة أن فنانة من فنانات "الأح" رفعت دعوى على فنانة "أح" أخرى بشأن مقاضاتها من أجل الحقوق (الأدبية) لكلمات الأغنية فكل فنانة تريد الاحتفاظ بحقوق اختراع و احتكار "الأح" لوحدها....
و لكن أسوأ و أبشع ما في الموضوع هو استغلال الأطفال لإطلاق مثل هذه الأغاني المصورة.....أغنية "بوس الواوا" للفنانة هيفاء و هبي و أغنية "واوا أح" للفنانة دومنيك تمثل أقذر صورة لاستغلال الأطفال لإظهار الإغراء و الإثارة....إن كل فنانة في نفسها رغبة في قول "الأح" علنا و بدون أن يلومها أحد, أصبحت تحضر معها طفلا و تلاعبه و تنبهه بغناء كلمات فيها الكثير من "الأح" و ما يتبعها من "بحّات و آهات" مثيرة.....لقد اكتشف المنتجون و صانعو النجوم حقيقة مهمة جدا في عالم الإغراء و الفن و هي أن الإغراء (المقنن) و الذي يستهدف الشباب على المكشوف أصبح موضة قديمة و قد يشمئز منها البعض, لذا وجدوا للإثارة طريقا آخر يجدون فيه لأنفسهم مبررات كثيرة..... فالفنانة عندما تغني بلغة "الواوا و الأح و البح" مع طفل بريء و جميل إنما تقدم فنا شاملا يهتم بالأطفال....و إن ظهرت بشكل مغري و مثير و شبه عار, فهذا ليس ذنبها فهي تظهر على طبيعتها و بتلقائية و لا تهدف الإثارة....و في النهاية الأغنية موجهة للأطفال, فما دخل الشباب
و مع الأسف - لقد اعتدنا على مسلسل اغتيال الحياء و الفضيلة كل يوم و كل لحظة في حياتنا على شاشات الفضائيات و اعتدنا أيضا على "الحرية الشخصية" للفنانات في أن يقدمن ألوانا مختلفة من فنون الإغراء و الإثارة.... ولكن هل نسكت على إقحام الإثارة في عالم الأطفال هل يريدون تعويدنا على اغتيال البراءة و الطفولة يوميا باسم الفن و الحرية الشخصية حقيقة لا يعنيني ظهور هيفاء وهبي أو غيرها شبه عاريات,و لكن يؤلمني جدا أن أرى طفلا يشهد أغنية "موجّهة" له بصحبة حركات و تلميحات جنسية قذرة إن استخدام الأطفال لأغراض جنسية(sexual abuse) يعتبر في الغرب جريمة يعاقب عليها القانون, فما بالنا نحن المسلمون الذين نأبى و نرفض الإثارة الجنسية الموجهة للجميع سواء كانوا كبارا أو صغارا
و أتساءل...هل هؤلاء الفنانات لديهن اهتمام حقيقي بالأطفال هل هؤلاء الفنانات لديهن "جراح" و "أحّات" يردن إطلاقها بأي شكل هل هذا مشهد جديد من مسلسل اغتيال الطفولة و البراءة أم هو جزء من المسلسل الواقعي للجرح العربي العتيق الأليم هل هو امتداد لـ "وا معتصماه" و "أخ يا بلد"....ربما.....فالجراح أنواع مثلها مثل الفن
و "أحْ" يا عرب